Rated 5.00/5 based on 1 readers reviews
به مطلب امتیاز دهید :
( 0. امتیاز از 0 )

ناشر : المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، المعاونية الثقافية
گردآورنده : سیدهادی خسروشاهی
لامراء أنّ من أشدّ أنواع المعاناة التی تتعرّض لها الشعوب والأُمم فی الفترات العصیبة والشاقّة من حیاتها، هو ذاك التنافر الشدید فی الرؤى‏ الفكریة والعقائدیة الذی یبلغ حدّاً یعطّل فیه توازن المجتمع، وتشلّ حركته...

فهرست الموضوعات

کلمه المرکز

مقدمه المولف

التقریب و الوحده

المراد من التقریب بین المذاهب

الشریعه و الدعوه الی الوحده

الوحده ضروره إنسانیه

هذا الکتاب

 

الفصل الأول: من هو عبدالله بن سبأ و ما حقیقته و قصه إسلامه

حقیقه ابن سبأو قصه إسلامه

من هو عبدالله بن سبأ؟

قصه اسلامه

ما قیل عن معتقدات ابن سبأ و نشاطاته

الحذر التاریخیه لاسطوره ابن سبأ

وجهات نظر الباحث السید مرتضی العسکری

الطبری و سنده

من هو سیف؟

 

الفصل الثانی: عبدالله بن سبأ فی الفکر السنی

رأی الدکتور طه حسین

رأی الأستاذ حامد داود الخفنی

رأی الدکتور عبدالعزیز الهلالی

رأی الأستاذ أمد عباس صالح

 

الفصل الثالث: موقف علماء الشیعه من شخصیه ابن سبأ

  1. الاشعری سعد بن عبدالله القمی (299، أو 301 هـ)
  2. الحسن بن موسی النوبختی (310 هـ)
  3. الکشی (360 هـ)
  4. محمد بن علی بن الحسین ابن بابویه الصدوق (381 هـ)
  5. ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسی شیخ الطائفه (460 هـ)
  6. ابن ابی الحدید (656 هـ)
  7. الحسن بن علی العلامه الحلی (726 هـ)
  8. عنایه الله بن علی القهبائی (1016 هـ)
  9. محمد بن علی الاردبیلی (1101هـ)
  10. محمد باقر المجلسی (1111 هـ)
  11. نعمه الله الجزائری (1112 هـ)
  12. محمد باقر الوانساری (1313 هـ)
  13. میرزا النوری الطبرسی (1320 هـ)
  14. المامقانی (1351 هـ)
  15. محمد حسین المظفری (1369 هـ)
  16. شریف یحیی الامین
  17. صائب عبدالحمید

المنکرون لوجوده

۱. العلامه مرتضی العسکری... دراسه تاریخیه

۲. الدکتور علی الوردی... دراسه معمّقه

هل عمار بن یاسر هو ابن السوداء؟

۳. الأستاذ عبدالله السبیتی... دراسه تاریخیه

۱. الشیخ محمد حسین کاشف الغطاء (قدس سره)

۲. آیه الله العظمی المحقق السید أبوالقاسم الخویی (قدس سره)

3. العلامه السید محمد حسین الطباطبایی (قدس سره)

4. الدکتور کامل مصطفی الشیبی

 

الفصل الرابع: الشیعه و الغلاه

الغلاه و الغلو عند الشیعه

خاتمه

 

ملحقات الکتاب

الملحق الاول: السبئیه

الملحق الثانی: خطوه علی الطریق

خطوه علی الطریق

الملحق الثالث: لا، یا إخواننا فی الدین!

قضیه التقریب

الدعایه للشیعه و الثوره الاسلامیه

الحرب و الجهاد

سوال بسیط

استنتاج غریب!

عقائد الشیعه

التقیه و المتعه

نصیحه اخویه

اما المقال الثالث

 

كلمة المركز

لامراء أنّ من أشدّ أنواع المعاناة التی تتعرّض لها الشعوب والأُمم فی الفترات العصیبة والشاقّة من حیاتها، هو ذاك التنافر الشدید فی الرؤى الفكریة والعقائدیة الذی یبلغ حدّاً یعطّل فیه توازن المجتمع، وتشلّ حركته، لما یسیطر فیه من حدّة وتعصّب یصلان فی أحایین كثیرة إلى مستوى التكفیر والتجریم الذی یمارسه كلّ طرف على غیره، ویضحى «العنف» وسیلة الإقناع الوحیدة للآخرین!

ویمكن تصوّر كم ستكون الكارثة مروّعة حینذاك!!

فالمغلوبون سیفضّلون الانسحاب إلى الوراء، فیدخلون عالماً أقلّ ما یوصف بالإحباط واللامبالاة القاتلین، وأمّا المنتصرون فسیضحون أسیری قوّتهم التی تقودهم إلى عالمٍ من الزهو والملل، وعندئذٍ ستخلو المواقع من الرجال، ویصبح المجتمع بلاحول ولاقوة تحمیه أو تقوده إلى برّ الأمان!

وضمن هذا السیاق تدخل مسألة «البحث» و «النظر» فی حوادث ومفردات تاریخنا الاسلامی الطویل، إذ أنّ البحث والتقصّی فی قضایا وقعت فی الماضی، وإعلان النتائج دون تمحیص أو إدراك لما یترتّب علیه من أُمور، قد یسبّب إثارة حفیظة «الآخرین» وغضبهم، فیستدعی ذلك إلى نشوء التوتّر، فالتنافر، ومن بعد سیصاب المجتمع كلّه بالعطب والعطل.

لكن هل هذا یعنی مصادرة الأقلام، والامتناع عن تعاطی هكذا بحوث؟

یبدو أنّه لم یبرز مصلح أو مفكّر یدّعی هذا الرأی، فالجمیع متّفقون على تعاطی التاریخ وحوادثه ومفرداته، لكنّهم اختلفوا فی زاویة النظر.

فمن نظرة قدسیة لاتقبل تناول حوادث التاریخ إلّا بالتقریظ، إلى أُخرى لاترى ضرورةً من تناولها فی هذه المرحلة بالذات لئلّا نثبّط عزائم المصلحین ومن یرون مبدأ التقریب، وهناك النظرة اللامبالیة؛ لما یعود من أثر سیّئ على مسیرة الأُمة، فهی لا ترى فی هذه المسائل إلّا مجموعة ملیئة بالأخطاء ینبغی تصحیحها، إذ أثرها وهی خامدة أكثر سلباً فیما لو أُثیرت عنها الغبار.

وهناك أیضاً النظرة التفاؤلیة التی تتّخذ الموضوعیة وسیلةً لحلّ هذا التنافر والاختلاف، والسعی إلى تقریب «القلوب» قبل «الأفكار»، انطلاقاً من مبدأ «احترام الغیر»، ومحاولة ردّ دعواه بالدلیل إن وجد، وإلّا فلا طائل ممّا یراد منه.

ذلك أنّه لایخلو شعب أو أُمة تمتلك تاریخاً لیس فیه أخطاء! فیتوهّم من یظنّ أنّ تفوّق الشعوب وتقدّم الأُمم إنّما جاء من ماضیها المقدس الخالی من الأخطاء والمآسی، أو جاء على طبقٍ من ذهب، من دون عناءٍ ومشقّةٍ، أو تحرّجٍ من تناول تاریخها بالنقد والمناقشة.

فإنّ ماضی الأُمم الغربیة كان ملیئاً بالأخطاء والتنافر اللذین أثمرا مآسٍ لعدّة قرون تلت، ووصلت إلى حدٍّ مقرف ومخجل فی أحیان كثیرة، لكثرة مامورست فیه من جرائم وجنایات، زُهقت أرواح كثیرة، وعُطِّلت عقول جبّارة بعنف وخشونة.

ولا نظنّ أنّ سیرة محاكم التفتیش الاوربیة المرعبة، وما اقترفته من جنایات مثیرة للقرف تخفى على أحد. وكیف كانت تجمع الناس على شكل طوابیر وأرتال، ثم تصفّ فی ساحات الاعدام، ثم یتمّ تصفیتهم بدم بارد، لیس لشی ء إلّا بسبب رفضهم تحویل أراضیهم إلى مراعٍ كی تجد مصانع الغزل والنسیج حاجتها من الصوف!!

كما وأنّ قصة «غالیلو» وكرویة الأرض معلومة لدى لجمیع، لاحاجة إلى ذكرها أو التعلیق علیها.

فرغم هذه الأهوال التی تكاد لاتصدّق، لم تستسلم هذه الشعوب لما قدّر لها، وظلّت تقاوم بشموخ إلى أن استطاعت أن تخرج من هذه الأهوال بسلام، وتقبض على زمام الأُمور، تدیرها عقول مدبّرة ومُصلحة، بعیدة عن روح الانتقام والتعصّب، أو توزیع التُهم بالمجّان، وبدلًا عن ذلك راحت تدرس جمیع الآراء، وتحلّل كل القضایا بروح علمیة وموضوعیة محضة، ثم تستخلص منها الدروس والعبر، وتقدّمها للأجیال المتلاحقة التی استوعبت الدروس بدقّة، وتعمل وفق ما تملیه علیها المصلحة، فامتدّ نفوذها فی كل أقطار الدنیا الوسیعة.

لقد أدركت هذه الشعوب أنّ ماضی أیّ مجتمع هو كحاضره، ولید بیئة اجتماعیة معقّدة، وفی ظلّ ظروف سیاسیة واقتصادیة متقلّبة، یستحیل معها أن لاتكون ثمّة أخطاء هنا وهناك، وانحرافات فی هذا الجانب أو ذاك. لكن هذا لایعنی وجوب إثارتها بشكل سلبی بحیث یعود ضررها على الناس جمیعاً أو الدین نفسه، وهو ماترفضه مصلحة الاسلام العلیا.

وأمّا الذین یرون عكس ذلك فهم واهمون حقّاً!

صحیح أنّه لیس من العدل ترك من یحاول أن یجرّ مركبة الاسلام بعیداً عن ساحل الأمان والسلام، وصحیح أیضاً أنّه لیس من المصلحة التجرّی والقفز على الموائد للقبض على أولئك الشرذمة من «المتفقّهین» الجّهال، وإلحاق الضرر بهم باشعال النار فیهم وبالمركبة معاً مثلًا!!

فالمصلح الغیور، والداعیة المتدیّن، وإلى أیّ مذهبٍ ینتمی، ینبغی علیه أن یتذكّر شیئین من قبل أن یخوض غمار عمله:

الأول: أنّ لكل مذهب أو طائفة تاریخاً حیویاً یضرب جذوره فی الأعماق، إلى درجة نعتقد معها أنّه یصعب شطبه.

یودّ كلٌّ منهم أن یلاقی احترام الغیر له، وألّا یستمرّ «الآخرون» فی المساهمة فی الإنقاص من مكانته، وقدسیة انجازاته، بالانسیاق وراء الأفكار والادّعاءات التی تحاول أن تجرّده من كلّ ابداعاته الفكریةوالأدبیة والإنسانیة التی قدّمها فی سبیل رفعة هذا الدین وسمّو الأُمة الكبیرة.

الثانی: أنّ ماضینا الإسلامی بكلّ تنوّعاته- فی النجاحات كما فی الإخفاقات- هو ملك لكلّ أفراد الأُمة، ولیس لأیّ أحدٍ منّا أن یستأثر بالجید، ویتنصّل من السیّ ء.

وتأتی هذه الملكیة للتاریخ من فكرة أنّه لایستطیع أیّ فرد إثبات أنّ سلسلة أجداده كانوا فی اتجاهٍ واحدٍ، ولم یكونوا فی اتجاهات متضاربة.

ومن هنا نجد أنّه لیس من مصلحة أیّ فردٍ عاقلٍ أن یتناول تاریخ أیّ فرقةٍ من فرق دینه المشهورة والمعترف بها من زاویة «كیدیة» لأنّه یكون حینها كمن یتناول نفسه، ویبصق فی وجهه! وطبیعی لایقبل بهذا الفعل سوى المجانین!!

لذا نرى أنّ قراءة الماضی ینبغی بالضرورة أن تتحلّى بالموضوعیة العلمیة المحضة، وتتخلّى عن الاندفاع باتّجاه إثارة حفیظة «الآخرین»، لأنّه السبیل الوحید الذی یضمن سیر العملیة التكاملیة لأُمتنا المجیدة، ویدفع كلّ الطوائف إلى المشاركة الفعّالة من أجل إعلاء كلمة الإسلام عالیاً.

وهذا الكتاب الذی یرقد بین أیدینا، یعدّ من الكتب التی تخطّت الأزمنة بجرأة، ولامست مواضیع حسّاسة بموضوعیة جدیرة بالتقدیر، قدخطّته یراعة الأستاذ والمصلح المعروف سید هادی خسروشاهی، فتناول فیه بالدراسة والتحلیل والمناقشة لمحطّة مهمّة من محطّات تاریخ التشیّع، بمنطق علمی سلیم، ولغة سامیة تترفّع عن المنهج الضحل، وأُسلوب یتمتّع بالرصانة والموضوعیة، یأخذ مبدأ احترام الغیر أساساً له.

فهو قد یكون مثیراً لتعاطیه جانبٍ حسّاس طالما أثاره أعداء الدین وأهل البیت (ع)، لكنّه اكتسب إثارة أكبر فی أُسلوب دفاعه وردّه بقلم جذّاب یشدّ القلوب قبل العقول، ینبض بالاحترام والحیویة.

والكاتب رغم تركیزه على المحور الأساسی الذی یحمله عنوان الكتاب، وجهده الكبیر فی إبراز الجذور التاریخیة لهذه «الأُسطورة» بصورة مختصرة، لكنّه یتعرّض إلى جوانب أخرى ترتبط بالمحور الأساسی؛ كالبحث الموجز عن الوحدة والتقریب، ومحاولة التعریف بالخطوة الأُولى على طریق الإخاء والوثام، ثم سلسلة ردوده الموجزة لبعض الشبهات التی أثارتها بعض المجلّا ت ... حیث ضمّها كملاحق للكتاب، قد تجلب المتعة والمنفعة فی مواضیعها وطریقة عرضها الرشیق.

فهو بذلك ینقل القارئ من محطة إلى أخرى ، تتخلّلها أزمنة متباعدة من الأحداث ما قد یكون جدیداً لدى قسمٍ كبیرٍ من القرّاء.

إنّ هذا الأسلوب الرشیق الذی اتّخذه المؤلّف فی كتابة بحثه الممتع، وما شحنه بدف ء المحبّة للآخرین، إنّما یترجم نظرته التقریبیة، ورغبته فی التأكید على ضرورة تعزیز الوشائج بین أوصال هذه الأُمة بجمیع فرقائها، خاصة والأُمة تمرّ فی مرحلة خطیرة ومثیرة.

وهذا مادعا المجمع العالمی للتقریب بین المذاهب الاسلامیة، من خلال مركزه العلمی، إلى تبنّی طبع هذا الكتاب ونشره بحلّة قشیبة تتناسب ومكانته، وجعله فی متناول الجمیع، سیّما ممّن یرغب فی ضخّ الأُمة بالحبّ والأُلفة، وإرفادها بالقوة المستمدّة من التكاتف والوحدة ورصّ الصفوف أمام أعداء أُمتنا المرحومة.

ولایسعنا فی الختام سوى تقدیم الشكر والثناء للمؤلّف أدام اللَّه عزّه، والتأكید على نقطة مهمّة هنا، وهی أنّه من الأهمیة بمكان أن نحافظ على هدوئنا ونحن نشهد مثل هذا النوع من الادّعاءات من أیّ جهةٍ كانت، ونحاول أن نُعمل عقولنا فی تتبّع وتفحّص دقیقین لما یُطرح من تُهم تمسّ كرامة أیّ مذهب إسلامی بارز، وهو یتمتّع باحترام وتقدیر باقی المذاهب، ونحاول أیضاً أن نستخلص العبر كما صنعت الأُمم الأخرى التی تجاوزت هذه الحالة بنجاح، وبلغت فی التقدّم شوطاً كبیراً، واللَّه هو الموفّق والمعین.

مركز التحقیقات والدراسات العلمیة

التابع للمجمع العالمی للتقریب بین المذاهب الاسلامیة

مقدّمة المؤلّف

شكّلت عقلیة الماضی التی تهیمن على تصوّرات بعض المسلمین الیوم أزمةً كبیرةً حالت دون تناولهم مفاهیم الإسلام ودروسه وأصوله وتاریخه تناولًا صحیحاً، ومن جانبٍ آخر شكّلت أیضاً أزمةً فی التعامل مع «الآخر» من حیث قبوله والتعایش معه.

وتتجلّى هذه الأزمة الیوم فی ذلك الصدام المفتعل بین الشیعة والسنّة على أساس قضایا مزعومة هی من خلق الماضی، لاصلة لها بالحاضر، وعلى رأس هذه القضایا قضیة «ابن سبأ» وماتمّ ربطه به من أحداث ومفاهیم ومعتقدات هی أقرب إلى الخیال منها إلى الواقع.

ولقد سقط الكثیر من الباحثین المعاصرین ممّن سلّموا أنفسهم لعقلیة الماضی، ضحیة هذه الشخصیة المزعومة، وقام ببناء صرح من المفاهیم والمعتقدات على أساس هذه الشخصیة لكنّه كان صرحاً من الرمال، لم یصمد طویلًا أمام ریاح الواقع.

كانت شخصیة «ابن سبأ» من صنع بعض كتب الفرق بعد سنة 310 ه على ما سیتبیّن للقارئ من خلال هذا الكتاب.

واعتماداً على عقلیة الماضی لم یبذل الباحثون القدر الكافی من الجهد العلمی والمنهجی حول هذه الشخصیة المزعومة، بل تلقّفوها من الماضی كما لو كانت نصّاًصریحاً متواتراً، وكان الأجدر بهؤلاء أن یتحلّوا بالموضوعیة والعدل الذی هو روح الإسلام وأساسه قبل تبنّیهم هذه الشخصیة الخیالیة ودفاعهم عنها، ذلك الموقف الذی تسبّب فی إثارة الشبهات حول قطاع كبیر من المسلمین، والتشكیك فی معتقداتهم، ممّا نتج عنه إثارة الفرقة والشقاق بین هذا القطاع- المتمثّل فی الشیعة- وبین قطاعات المسلمین الأخرى.

إنّ الذین یتصدّون أمر الدعوة إلى الإسلام الیوم علیهم أن یدركوا خطورة ما یبثّونه من مفاهیم ومعتقدات ووقائع تتعلّق بأسطورة شخصیة «ابن سبأ» وضرورة عدم التقوّل بها دون براهین عقلیة ونقلیة قاطعة، لأنّ ذلك یعنی إعلان الحرب على الشیعة الذین یشكّلون جزءاً لایُستهان به من مجموع المسلمین، فی الوقت الذی أعلنت الحرب على الإسلام فی كل مكان.

لستُ أدری، أهو الجهل بما تحیط بنا من مخطّطات أعداء الاسلام، أم الغفلة عمّا ینبغی علینا صنعه فی ظلّ حاضر یفرض علینا أن نتسلّح بالوعی والوحدة والتكاتف فی مواجهة المؤامرات التی تحاصر الإسلام والمسلمین، وتهدف إلى تفریقهم وإضعافهم.

وإذا كان الذین یفجّرون قضیة «ابن سبأ» ما بین الحین والآخر حریصین على الإسلام، فلماذا لم یفجّروا قضایا أخرى من شأنها تزید من تماسك المسلمین، وتعزّز من شعار الإسلام وسط العالمین، من خلال بثّ الكثیر من العقائد والمفاهیم والأحكام التی تشیع المحبّة والأُلفة بین المسلمین، وتقوّی الروابط بین فئات الناس الیوم.

إنّ من دواعی الحبّ والتقوى، أن نقول: إنّه یفترض على الكتّاب والباحثین الیوم التوقّف بعنایة عند نشر كلّ ما یتعلّق «ابن سبأ» وأمثالها، وتقصّی الحقائق جیّداً من قبل إشاعتها بین المسلمین.

إنّ الذین یتسلّحون بعقلیة الماضی، واكتفوا بمصادره التی كثر الجدل من حولها،أحرى بهم أن یقفوا أیضاً على المصادر المعاصرة التی تتعرّض إلى شخصیة «ابن سبأ»، مثل كتاب «الفتنة الكبرى» للدكتور طه حسین وأمثاله من عمالقة الأدب والفكر العربی الاسلامی.

فمن أجدر من علمائنا ومثقّفینا وكتّابنا فی التعاون على رفع التناحر بین المسلمین، وتعزیز وحدتهم وتآلفهم، واحترام رموز فرقهم ومقدّساتهم؟

وممّا یؤسف له حقاً أن یشارك بعض رجال الدین فی إشعال نار الفتنة بین المسلمین، بالعمل على إحیاء فكرة «السبئیة» ثم محاولة ربط التشیّع لآل البیت (ع) بالجذور الیهودیة!.[1]

والسؤال هنا: كیف ستكون علیه المعادلة الاسلامیة فیما لو كان قوامها التفریق والتناحر والاختلاف؟

ثم كیف الأمر لو استبدل بالتآلف والوحدة والتقریب؟

التقریب والوحدة

إنّ مظاهر الصلاح والفساد التی تلاحظ على الصعید الاجتماعی، هی حالات متحرّكة ومتغیّرة ذات صلة بإرادة الإنسان، وتخضع عادةً لمتبنّیات وعوامل فكریة أو عقائدیة تشكّل مسبّبات وعللًا أساسیة، وهی التی انتجت هذه الظاهرة أو تلك، فالنزاع والتخاصم والفرقة أو الوحدة والوئام والتقارب، كلّها تمثّل ظاهرةً تبرز فی حیاة الأمة هنا وهناك، لتحكی مستوى حیویتها ورسالیتها، أو عبثیتها وعشوائیتها، فهی لیست مستثناة فی حیاة الإنسان، بل هی دون شكّ مرتبطة بسنن اللَّه فی

المجتمع والحیاة لكلّ الأمم.

والإسلام یدعو لبناء مجتمع التوحید والعدل، ونبذ الجهل؛ إیماناً منه بأنّ الجهل ینتج النزاع والخلاف، ویهشّم صرح الوحدة والبناء، وبعكسه، الثقافة والعلم اللذان یریدهما الإسلام، فهما یشكّلان عنصراً هاماً وحیویاً فی حیاة الأمة ومسیرتها التكاملیة، إذ یؤدّیان إلى تنمیة المجتمع وتكامله، لذا فقد شخّص الإسلام البنى التحتیة من الأفكار التی تنتج لنا مظاهر الوحدة والمحبّة والإخاء، وزوّد المسلم بالوعی والبصیرة، وسلّحه بالنظرة الفاحصة للأمور، لیكون موقفه إزاء التركة الثقافیة أو الظواهر السلبیة التی خلّفتها ظروف الانحطاط والتخلّف موقفاً مسؤولًا غیر منفعل بها، بل یستوعبها لغرض المعالجة بهدیٍ إلهی حقیقی، ووعی رسالی ثاقب.

فإذا كانت الوحدة تعنی فی منظورها الإسلامی: الإسلام وقوته أو الإسلام وشمولیته، والتقریب یعنی: خطوة أو مفردة أو مجموعة مفردات إسلامیة ذات صیغة عملیة تهیّئ لإیجاد الوحدة، فهذا الوعی للوحدة والتقریب بلا إشكال یدفع صاحبه للبحث عن تلك المفردات على أمل أن تحقّق الوحدة فی أجوائها السلیمة، فیلتقط المحبّ الهادف كلّ مفردة حقیقیة ذات مساس بقضیة الوحدة كالنحلة حین تمتصّ رحیق الزهور، فیمیّزها جلیاً لالبس فیه، لیكون واضحاً عنده ما هی المفردة التی تعمّق الخلاف بین المسلمین لیتجنّبها، ثم ما هی الحالة النفسیة، سواء كانت ذات منشأ سیاسی أو انفعالی، والمنقطعة الصلة بالعقیدة، وتسبّب هدر الطاقات الإسلامیة وضیاعها.

كما ینبغی أن یدرك صاحب هذا الاتّجاه ویفرّق بین معنى القسوة والغلظة مع الأعداء، ومعنى كونهم أذلّة ورحماء تجاه المسلمین والمؤمنین.

ثم لابدّ من التمییز والتفریق بدقّة بین الأمور التی تصبّ فی مصلحة الإسلام والأمة الإسلامیة وبین القضایا التی تضرّ بهما.

ولا تقف المسألة إلى هذا الحدّ، وإنّما تستدعی معرفة المعیار الإسلامی الذی توزن على أساسه المفردات، والعوامل التی ینبغی العمل بموجبها فی هذا الحقل أو ذاك، رغبةً فی التخلص من الظواهر السلبیة. وهذا المعیار یتجسّد بالقاعدة الفكریة للمفاهیم التی یلتقی على ضوئها المسلمون فی تصوّراتهم؛ كالتوحید والنبوة والمعاد، وفروعها؛ كالصلاة والصیام والزكاة والحج والجهاد وغیرها من المفردات الأخرى ذات الصلة بهذه المفاهیم.

وانطلاقاً من كلّ ذلك لایمنع أن نرى بعض الاختلافات باعتبارها خصوصیات أفرزها العقل والنظر العلمی، أو قل:

موقفاً تترتّب على أساسه فكرة فی ظلّ ظروف ومناخات مرّت بها الأمة، ونقبل به على أساس مقولة: إنّ الوحدة المطلقة فی حركة العقل لا تتحّقق على مستوى كل التفاصیل فی الأفكار والمواقف، لأنّه ما من قاعدة إلّا ولها استثناء، فیفسّر الاختلاف فی بعض المجالات العامة كاستثناءٍ مسموحٍ به فی إطار الاجتهاد العلمی، فیجعل للمسألة بُعداً تجزیئیاً لاحتمیة فیه للوحدة خاصةً حینما نواجه الأشیاء الصغیرة فی حقولها المتعدّدة.

وهذه المسألة تدعونا إلى عدم السماح لتحوّل الجزئی فی الاختلاف الفكری إلى حاجزٍ یؤدّی إلى تقطیع أوصال الكلّ وتخریب وحدته، وقد وقع البعض من الناس فریسة هذا التفكیر، إذ جعل الفاصل الجزئی الصغیر أو الموقف الطارئ الذی یسلكه هذا المذهب أو ذاك، صفةً عقائدیةً أساسیةً، لأنّ منظورهم للوحدة هو ذوبان التفاصیل فی الكلّ، بل رفض أیّ جزءٍ مختلفٍ فیه عند الآخر حتى لو كان فارغ المعنى والتأثیر.

ونهایة الأمر، فقد أفرز لنا هذا التفكیر المصحوب بالموقف إزاء الجزئیات إسلاماً متعدّداً وجماعات متفرّقةً، بدل الإسلام الواحد والأمة الواحدة.

والصحیح أنّ القضیة فی بُعدها الثقافی هی التی تحدّد الموقف العلمی، فثقافة القرآن تدعو للوحدة باعتبارها مبدأً أصیلًا. فقد تناول القرآن صیغاً عملیة، واستعرض المفردات المشتركة بین الأدیان المختلفة، وجعلها الأساس فی تناول نقاط الاختلاف التی تثیر الإحساس والمشاعر سلباً، وتقف حائلًا دون تحقیق الوحدة، من باب خلق الأجواء الودّیة، والانفتاح على الرأی الآخر.

لقد تناول المشتركات بین الأدیان لتكون عنصراً للتقریب، فركّز على قصص الأنبیاء ودعوتهم الكبرى ذات القواسم المشتركة.

ووفق هذا التأسیس، فإنّنا لا نرید أن ندعو الشیعی أو السنّی لأن یذوب كلّ واحدٍ منهما فی معتقدات الطرف الآخر، ویتنازل عن كلّ ما یعتقد بصحّته أو ما یمیّزه من خصوصیات، فهذا ما لا نریده ولا ندعو إلیه، وإنّما هو البحث عن القواعد المشتركة عند الطرفین، والعمل على أساسها.

قال اللَّه سبحانه وتعالى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِی شَیْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْیَومِ الآخِرِ)[2].

وقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِیعاً وَلَا تَفَرَّقُوا)[3].

والمقصود بالحبل- على أكثر التفاسیر- هو الإسلام والإیمان، وقد جسّد الإمام علی (ع) هذا المبدأ عملیاً حین اختلف مع الغیر فی مسألة الخلافة، قائلًا:

«لأسلمن ما سلمت أمور المسلمین، ولم یكن فیها جور إلّا علیّ خاصةً»[4].

لقد أبقى الإمام علاقته الودّیة مع من اختلف معهم من الصحابة، وانفتح بها على أساس مصلحة الإسلام العلیا، ولم یسمح بنشوء جدار عازل بینه وبین الذین اختلف معهم فی مفردات الإسلام وتشریعاته ما دام أنّ هناك جامعاً ومشتركاً بینهما یستطیع أن یحفظ بواسطته الإسلام، فالإخلاص للإسلام، وانطلاقه من مبدأ حفظ مصلحة الإسلام العلیا، هو السرّ الذی دفع بالإمام نحو هذا الموقف.

كما یكشف عن إخلاص الإمام علی (ع) للإسلام موقفه من الخلیفة الثانی حین استشاره فی أن یذهب مع الجیش إلى بلاد فارس أم لا، فأجابه قائلًا:

«لا تذهب، فأنت رأس الأمر وسنامه».

فإنّ الإمام علیاً (ع) لم یفكّر بالخلیفة الثانی كفرد عادی، ولم یفكّر بذاته ومكاسبه السیاسیة، بل انطلق من مصلحة الإسلام.

هذا على صعید الموقف، أمّا على صعید الفكرة فلو قال أهل السنّة: إنّ بعضاً من الشیعة قد اعتقد بتحریف القرآن، وجاء من الشیعة واتّهم السنّة بنفس الشی ء، فهل یصحّ أن یأتی غیرهم ویقول: إنّ المسلمین لایعتقدون بسلامة وقطعیة القرآن الكریم بناءً على اتّهام كلٍّ منهما للآخر بتحریف القرآن الكریم؟

وهذا ما فعلته الموسوعة الإسلامیة البریطانیة، وبعض المستشرقین أیضاً، حیث وظّفوا هذا الاختلاف لأغراض خبیثة فی تشویه الإسلام، والطعن بأُسسه القطعیة.

إذن فالمسألة ینبغی أن تناقش على أساس القواسم المشتركة، فائمة الشیعة والسنّة وعلماؤهم لایعتقدون بالتحریف إطلاقاً، ولا عبرة لأقوالٍ شاذّةٍ أطلقها بعض الشیعة وبعض السنّة، وهم شرذمة قلیلة لایعتدّ بكلامها، فتكون النتیجة أنّ علماء المدرستین لایعتقدون بالتحریف على الإطلاق.

المراد من التقریب بین المذاهب

إنّنا حینما نتكلّم عن التوحید بین فرق المسلمین، ننفی أولًا رفع الید عن نقاط الفرق بین المذاهب، سواء الأساسیة منها كما هو الحال فی معرفة الإمام ومعرفة شخص الإمام، أو الفرعیة منها كما فی الخلافات الموجودة على مستوى الفروع الفقهیة، كبعض الفوارق التی توجد فی الوضوء أو فی الصلاة أو فی الحج أو غیرها، فحینما نؤكّد ضرورة التوحید لانقصد بذلك ضرورة رفع هذه الاختلافات عنه، لأنّ ذلك یعنی مسخ هویة المذهب.

وننفی ثانیاً الامتناع عن البحث عن حقّانیة هذا المذهب أو ذاك، وعن صحّة هذاالرأی أو ذاك من الرأیین المختلفین، فی أصول المذهب كالإمامة، أو الفروع ممثّلًا فی الصلاة والصوم، بل یجب أن یبقى باب النقاش الحرّ الموضوعی السلیم مفتوحاً على مصراعیه، كما هو الحال تماماً فی النقاش بین الاتّجاهات المختلفة لدى علماء مختلفین ضمن إطار مذهبٍ واحدٍ، فإنّ طریق النمو العلمی، وطریق اكتشاف الحقیقة: النقاش والبحث فی المسائل المختلف فیها، وسدّ هذا الباب یعنی سدّ باب الوصول إلى الحقیقة، والمنع عن النمو العلمی، وهذه خطیئة لاتغتفر.

إلى جانب ذلك نرى ضرورة التآزر، والتكاتف والتناصر، والعیش الأخوی، وتراصّ الصفّ، والتراحم والتعاطف، ودفاع بعضهم عن بعض، بین الفرق والفئات المختلفة والمذاهب المتشتّتة، الذین یجمعهم الإیمان بالأُصول الثلاثة:

التوحید والنبوة والمعاد. وذلك بوصفهم معتنقین لدینٍ واحدٍ، فهم مشمولون للنصّ المروی عن رسول اللَّه (ص):

«المسلمون إخوة، تتكافأ دماؤهم، یسعى بذمّتهم أدناهم، وهم ید على من سواهم»[5].

ولابدّ أن ندین بدین اللَّه بهذه الوحدة فیما بیننا، سواء اعترف إخواننا الآخرون بذلك أم خالفوا. والذی یدلّنا على وجوب هذا التوحید أُمور:

الشریعة والدعوة إلى الوحدة

لقد جعلت الشریعة الإسلامیة كلّ فرق المسلمین سواءً فی الحقوق، فالشیعی یرث السنّی، والسنّی یرث الشیعی، وحقوق الزوج على الزوجة لاتختلف باختلافهما فی المذهب أو عدم اختلافهما، ولا یشترط فی أصل الزواج اتّفاقهما فی المذهب.

وفی القصاص والدیات، لافرق بین شیعی وسنّی أو سائر فرق الإسلام، فكلّ المسلمین فی جمیع هذه الحقوق وما إلیها هم من وجهة نظر الفقه الإسلامی المصرّح به من قبل جمیع العلماء الأعلام سواء كأسنان المشط، ولئن دلّ هذا على شیٍ، فإنّما یدلّ على أنّ الشریعة الإسلامیة أرادتهم جسماً واحداً وأُمة واحدة، ولم تردهم متفرّقین متشتّتین، یعادی بعضهم بعضاً.

إنّ التصریحات الأكیدة فی روایات أهل البیت (ع) تؤكّد على وحدة المسلمین من خلال صلة العشائر والأرحام والخلطاء من الناس، وعیادة مرضاهم، وشهادة جنائزهم، وأداء أماناتهم، وما إلى ذلك من حسن السیرة معهم وإن اختلفوا فی المذهب.

فها هو الحدیث المروی فی (الكافی) للعلّا مة الشیخ الكلینی بسند صحیح، عن معاویة بن وهب، قال: قلت له: كیف ینبغی لنا أن نصنع فیما بیننا وبین قومنا وبین خلطائنا من الناس ممّن لیسوا على أمرنا؟ قال (ع):

«تنظرون إلى ائمتكم الذین تقتدون بهم فتصنعون ما یصنعون، فواللَّه إنّهم لیعودون مرضاهم، ویشهدون جنائزهم، ویقیمون الشهادة لهم وعلیهم، ویؤدّون الأمانة إلیهم»[6].

وأیضاً روی فی الكافی بسند صحیح عن زید الشحّام عن الإمام الصادق (ع): «صلوا عشائركم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم إذا ورع فی دینه، وصدق الحدیث، وأدّى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قیل: هذا جعفری، فیسرّنی ذلك، ویدخل علیّ منه السرور، وقیل: هذا أدب جعفر، وإذا كان على غیر ذلك دخل علیّ بلاؤه وعاره، وقیل: هذا أدب جعفر، فواللَّه لحدّثنی أبی (ع): أنّ الرجل كان یكون فی القبیلة من شیعة علی (ع) فیكون زینها، آداهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحدیث، إلیه وصایاهم وودائعهم، تسأل العشیرة عنه فتقول: من مثل فلان! إنّه لآدانا للأمانة، وأصدقنا للحدیث»[7].

هذا كلّه یعنی أنّ ائمتنا (ع) لم یكونوا یقبلون بأیّ تمییز فی طریقة التعامل وحسن التصرّف بین أبناء المذاهب المختلفة، ما داموا جمیعاً مسلمین.

وممّا یؤیّد ما استنتجناه من بعض الروایات الصحیحة السند الواردة لدى الشیعة عن ائمتهم، الدالّة على أنّ (من صلّى خلف الإخوة السنّة فی الصف الأول كان كمن صلّى خلف رسول اللَّه (ص)[8].

وقد ورد فی روایة أخرى: «إنّ المصلّی خلفهم فی الصف الأول كالشاهر سیفه فی سبیل اللَّه»[9].

وقد أفتى بوجوب الصلاة خلفهم، وخاصّةً بلحاظ أیام الحج، سماحة السید الإمام الخمینی (رضوان اللَّه علیه).

وعلى جمیع المسلمین أن یلحظوا أنّ موقف أعداء الإسلام الشرس تجاه جمیع المسلمین واحد، وأنّهم لایفرّقون بین مذهب وآخر.

كما أنّ دعوة الإسلام لاتقتصر على زمان دون زمان، ولا على جیل دون آخر، فهی دعوة عالمیة تستقطب إلى نورها البشر جمیعاً: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِیراً وَنَذِیراً)[10].

ولكنّ الإسلام بعالمیته هذه لا یراد له أن ینتشر أُفقیاً دون أن یحقّق لهؤلاء الناس فی الوقت ذاته ربطاً عمیقاً محكماً یشدّ بعضهم إلى بعضٍ برباط الأُمة الواحدة: (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[11].

وتستند عملیة الربط هذه إلى أُسس ومنطلقات یتحتّم تركیزها من خلال دافع التكلیف الإلهی، والبُعد عن كلّ ما یؤودها ویخلّ بها بوازع من المسؤولیة الشرعیة.

ولو رجعنا إلى القرآن الكریم وسنّة الرسول الأعظم (ص) مستقرئین تلك الأُسس،ومتلمّسین تلك المنطلقات، لوجدنا أنّ الإسلام یعتبر الأُمة المسلمة بمثابة أُسرة واحدة لها قیّم یشرف على شؤونها، ویدبّر أُمورها.

وأمّا ما یشدّ هذه الأُمة بعضها إلى بعض، فهو روح اخوّةٍ نبیلة، لا یفجّرها فقط العطف والمحبّة والحنان، وإنّما هی أُخوّة مسؤولیة تتحمّل أعباءها بوعی وحیویة وعمق، وتؤثّر آثارها الإیجابیة على الصعید العملی والواقع الخارجی:

فقد قال سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ). ثم فرّع على ذلك: (فَأَصْلِحُوا بَیْنَ أَخَوَیْكُمْ)[12].

وقال عزّ من قائل: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِیاءُ بَعْضٍ). ثم فرّع على ذلك: (یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)[13].

وعن الإمام الصادق (ع) قال: «إنّما المؤمنون إخوة بنو أبٍ وأُم، وإذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون»[14].

فالإسلام یسعى لإیجاد وحدة حقیقیة تقوم على أساس الأخوّة المسؤولة الواعیة، فإنّنا إذا راجعنا التاریخ الإسلامی سنجد أنّ النبی (ص) حین آخى بین المسلمین فی المدینة، قد جعل تلك الأخوّة تستند إلى أمرین اثنین هما: الحقّ والمواساة.

فالحقّ هو الأساس الذی تقوم علیه العلاقات، وتبنى علیه المعاملات، ولیس المصالح الشخصیة، ولا الأهواء، ولا المیول، ولا الانفعالات العاطفیة، ولا المصالح القبلیة، أو الإقلیمیة، أو الفئویة، أو غیرها.

وعن طریق الحقّ یحصل التفاهم، ثم الرضى ، ثم الثقة المتبادلة، ویكون من ثم هو الفیصل فی كلّ مقام تختلف فیه الأهواء والمصالح.

وإذا توصّل إلى الحقّ بنتیجة الإحساس بالمسؤولیة الشرعیة والإنسانیة، ومن خلال الأخوّة والمحبّة والحنان، فذلك أضمن لبقائه واستمراره، بخلاف ما إذا جاء عن طریق التحدّی والقوة والعصا، فإنّ علینا أن ننتظر غیاب الحقّ آنذاك بمجرد غیاب تلك العصا وهاتیك القوة.

والمواساة تعنی درجة أعلى من العدل، لأنّها تقتضی فی أحیان كثیرة البذل والتضحیة لصالح الآخرین، والتخلّی عن كثیر ما نكتسبه لأنفسنا من خلال العدل الذی یرجع بدوره إلى الحقّ.

وعن طریق المواساة تستطیع الأُمة مواجهة الظروف الطارئة، والتقلیل من آثارها السلبیة، كذلك مواجهة جمیع أشكال الضغوط التی یمكن أن یمارسها علیها أعداؤها من سیاسیة واقتصادیة وعسكریة وغیرها، بهدف القضاء علیها، أو امتصاص طاقتها الإیمانیة.

الوحدة ضرورة إنسانیة

فالوحدة إذاً ضرورة إنسانیة ومصیریة للأمة، ولكنّها تحتاج إلى كثیرٍ من الوقت والجهد، وكثیرٍ من البحث والتمحیص للحقائق العلمیة، ثم إلى تربیة نفسیة لخلق درجةٍ من الاستعداد والسمّو لتحقیقها.

وریثما یتحقّق ذلك لایمكن للأُمة أن تترك خطر أعدائها یجتاحها، ویلتهم مقدراتها، ویستأصل شأفة الإسلام والمسلمین، بل لابدّ لها من تعامل وحدوی فیما بینها.

وهذا الاتّحاد، أو قل: هذا التعامل الوحدوی، مطلوب إسلامیاً، ومحبوب بمختلف أبعاده ودرجاته، وعلى جمیع المستویات، ولكنّه لیس هو كلّ المطلوب، وإنّما هو بدیل اضطراری مؤقّت لابدّ من القبول والرضا به بانتظار تحقیق الوحدة الحقیقیة على أُسسها الإسلامیة والإنسانیة والواقعیة.

وعلى طریق الوحدة والاتّحاد بین المسلمین، وفی طولهما، تصبح الحاجة ماسّة إلى التقریب بینهم، والتعارف والتفاهم، وتبادل وجهات النظر، وإطلاع أتباع كلّ مذهب على المذهب الآخر من مصادره، وعلى ألسنة علمائه، ومن خلال أقلامهم، وبعیداً عن العقد والحواجز.

ولقد بذل المخلصون من المفكّرین والعلماء على مرّ العصور محاولات كثیرة فی هذه السبیل، ونستطیع أن نذكر مثالًا على ذلك فی خصوص العصر الحاضر، هو مبادرة آیة اللَّه العظمى السید حسین البروجردی قدّس اللَّه نفسه الزكیة إلى تأسیس دار التقریب مع مشایخ الأزهر الشریف، ثم فتوى الشیخ محمود شلتوت (ره) بصحة وجواز التعبّد بالمذهب الشیعی ... وكان من روّاد التقریب فی مصر- القاهرة، العلّا مة الإیرانی الجلیل الشیخ محمد تقی القمی، صدیق شیوخ الأزهر الشریف.

ولابدّ من أن نخصّ بالذكر جهود آیة اللَّه العلّا مة السید عبد الحسین شرف الدین العاملی الذی ألّف كتابه المهم «المراجعات»، وكتابه القیّم «الفصول المهمة فی تألیف الأُمة» وقد ذكر فیه الكثیر والكثیر ممّا یساعد على التقریب والتفاهم بین المسلمین.

وعلى الصعید الفكری، فإنّ المحاولات كثیرة ومتنوّعة، ومنها إقامة العدید من المؤتمرات، وكتابة البحوث الكثیرة، ونشر مجلّتی «رسالة الإسلام» من القاهرة، و «رسالة التقریب» من طهران ... وغیر ذلك.

وما أروع أن یبادر العلماء المسلمون إلى تشكیل لجانٍ مشتركة لدراسة الموضوعات المتّفق علیها أولًا وتمییزها، ثم دراسة المسائل الخلافیة بروح علمیة نبیلة، تهدف إلى رضا اللَّه سبحانه، وخدمة الإنسان والإنسانیة، والاعتماد على الثقة المتبادلة، والإحساس بالمسؤولیة الشرعیة والوجدانیة!

على أنّنا یجب أن نسعى فی معالجة أسباب الاختلاف، ومعرفة أسباب الاختلاف یتمثّل الخطوة الأولى والأساسیة فی العلاج، والشأن فی ذلك هو شأن تشخیص المرض الذی یمثّل الخطوة المهمة فی العلاج.

ویمكن إرجاع الأسباب الرئیسیة إلى الهوى، والتعصّب المذموم، والتخلّف الأخلاقی فی معالجة القضایا، والنشاط المعادی للإسلام الذی یسعى للتخریب بین المسلمین، وتمزیق صفوفهم، من خلال إثارة الفتن، والتركیز على نقاط الضعف والإثارة، وشراء ذوی القلوب المریضة لتسخیرهم لأداء هذه المهمة، والجهل بأوضاع المسلمین ومعتقداتهم، والاعتماد فی معرفة ذلك على الإشاعات والتهم، أو الروایات والأقوال الشاذّة فی هذا المذهب أو ذاك، والاختلاف فی ثبوت النصّ الشرعی المروی عن النبی (ص) أو الائمة (ع) أو العلماء الذین ینتسبون لهذا المذهب أو ذاك، ذات الطابع الموضوعی والعلمی، وذلك بسبب الفصل الزمنی الكبیر بین زمن صدور النصّ وأیامنا هذه، حیث وقع فی النصوص الاختلاف والتزویر، والخطأ والاشتباه فی النقل، والاختلاف فی فهم النصّ، ومقارنته بالنصوص الأخرى، حیث إنّ القرآن الكریم الذی ثبت نصّه بالتواتر، فیه محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وعام وخاصّ، وأحاطت به القرائن الحالیة التی تسمّى بأسباب النزول، والتی تلقی ضوءاً على فهمه وتفسیره، وهكذا الحال أیضاً فی النصوص المرویة فی السنّة النبویة.

ولا شكّ أنّ معالجة هذه الأسباب مختلفة، فی طرقها ووسائلها، ولابدّ من دراسة كلّ واحدٍ منها، ووضع الأسالیب لهذه المعالجة.

فالتربیة الأخلاقیة العالیة، والتقوى، والتعصّب للَّه تعالى، والحرص على المصالح الإسلامیة، وتشخیص الأعداء والحذر من مؤامراتهم وأعمالهم ونشاطهم، وكذلك البحث عن معتقدات ومتبنّیات المذاهب الإسلامیة من مصادرها النقیة، والاعتماد فی ذلك على أقوال ائمة هذه المذاهب المعروفة من منطلق الأخوّة الإسلامیة، وحسن الظن، وروح التفاهم والمحبّة ووضع القواعد والأُصول والضوابط المستنبطة من القرآن الكریم والسنّة النبویة الصحیحة فی إثبات النصّ، واتّباع منهج الحوار العلمی الموضوعی، والمناقشة الهادئة، والدلیل المنطقی والشرعی ... یمثّل كلّ ذلك أفضل الطرق للعلاج.

 

هذا الكتاب

والنموذج الذی بین أیدینا، وهو كتاب «عبداللَّه بن سبأ بین الواقع والخیال» فقد راعینا فیه المنهج الذی أشرنا إلیه سلفاً، ولم نعمد فیه إلى تهشیم العناصر الصحیحة لهذه المفردة التاریخیة، كأن نتناول عنصراً سلبیاً یضرّ بالحالة الاسلامیة والتراث الإسلامی المجمع علیه، بل حرصنا على تناول هذه المفردة التاریخیة من خلال عناصرها المختلفة، والانطلاق فی بحثها من منطلق المصلحة الإسلامیة العلیا، وحفظاً للأمانة التاریخیة، بغضّ النظر عن الهویة المذهبیة الخاصة للسنّة أو الشیعة، وإنّما من خلال خطاب العقل الإسلامی المحسوب على الإسلام، الحامل لهموم الرسالة، ولذا برزت فی الكتاب عدّة مزایا تفرده عن غیرها، منها:

الأُولى : طبیعة اختیارنا لأصل الموضوع ثم تعدّد الاستدلالات فیه، فلم ننهج منهجاً أُحادیاً، بل تناولنا منهج الدكتور طه حسین والنتیجة التی انتهى الیها حین درس عبداللَّه بن سبأ فی التاریخ، وتناولنا أیضاً دراسة الدكتور علی الوردی ذات المنحى الاجتماعی الذی یثری البحث بنتیجة أخرى، وكذا منهج العلّا مة السید مرتضى العسكری وغیرهم من الدارسین والباحثین، لینتهی الجمیع ومن خلال عقد مقارنة علمیة إلى نفس النتیجة وإن اختلفت مناهجهم.

والمیزة الثانیة: ابتعادنا عن لغة التشنّج والانفعال، أو كیل التهم والشتائم، لتكون لغته لغة الحوار والنقاش والدلیل العلمی.

والثالثة: إشراك القارئ الكریم من حیث لا یشعر فی صورة البحث، لنلقی الحكم والمسؤولیة علیه، ولا نقصرها علینا كباحثین واخصّائیین على هذا الصعید.

نأمل من ذوی الاختصاص، وأهل العلم والعمل والإصلاح فی الأزهر الشریف، وفی كلّ الأوساط العلمیة فی الأُمة الاسلامیة، أن یلتقطوا تلك المفردات باعتبارها عناصر إسلامیة تساهم فی عملیة التقریب بین المذاهب الإسلامیة، انطلاقاً من المسؤولیة الرسالیة، ومن أجل مصلحة الإسلام وخدمة أهدافه الإلهیة العلیا.

وختاماً، لیست هذه الرسالة[15] سوى فاتحة لدراسة كبیرة حول موضوع «ابن سبأ» سوف تنشر قریباً بإذن اللَّه تعالى، إذ أنّ الساحة الفكریة والثقافیة لاتزال فی حاجة إلى مثل هذا النوع من الدراسات الجادّة التی تسهم فی تشكیل عقلیة المسلم المعاصر حتّى یؤدّی دوره بفاعلیة فی خدمة هذا الدین ووحدة الأمة الإسلامیة جمعاء.

وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربّ العالمین.

سید هادی خسرو شاهی

القاهرة/ رمضان المبارك 1424 ه

 

 

 

[1] . فقد صدرت عن أحد الدارسین بالأزهر مؤخّراً رسالة( ماجستیر) بعنوان( السنّة النبویة فی كتابات أعداء الإسلام) وهی دراسة موجّهة نحو الشیعة بالخصوص. كما وصدر أیضاً كتاب آخر تحت عنوان« الجذور الیهودیة للشیعة» للدكتور عبدالمنعم البری، أحد المنتسبین للأزهر سابقاً!! وهناك كتب أخرى تنشر بین الحین والآخر فی إیجاد الفرقة بین المسلمین: السنّة والشیعة بأسماء مختلفة، والظریف أنّهم یسمّون أنفسهم بالسلفیة أو أنصار السنّة المحمدیة!!

[2] ( 1). النساء: 59

[3] ( 2). آل عمران: 103

[4] ( 3). نهج البلاغة: الخطبة( 74)

[5] . الوسائل للعلامة الشیخ الحر العاملی 31: 11 من قصاص النفس، ح 1

[6] . الكافی 2: 636 من كتاب العشرة، باب: ما یجب من المعاشرة، ح 4

[7] . المصدر السابق

[8] . انظر الوسائل 8: 299 و 300، ب 5، صلاة الجماعة، ح 1 و 4

[9] . انظر المصدر السابق: 301، ح 7

[10] . سبأ: 28

[11] . الأنبیاء: 92

[12] . الحجرات: 10

[13] . التوبة: 71

[14] . بحار الأنوار للعلّا مة محمد باقر المجلسی 74: 264

[15] . هذه الدراسة المختصرة كتبتها كإیضاح لأحدى مباحث كتاب« الشیعة والتشیّع» لأستاذنا العلّا مة السید محمد حسین الطباطبائی، وقد نقلها إلى العربیة الأخ الأستاذ خالد توفیق( جواد علی كسار) ضمن ترجمته لمجموعة آثار العلّا مة الطباطبائی، وطبعت فی قم- إیران، ونحن ننشرها الیوم مزیدة ومنقّحة، وكرسالة مستقلّة لتعمّ الفائدة

مشخصات کتاب

  • عبد الله بن سبأ بین الواقع و الخیال دراسة تاریخیة تحلیلیة على ضوء آراء العلماء و الباحثین
  • المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، المعاونية الثقافية
  • سیدهادی خسروشاهی
  • عربی
  • چاپ شده
  • 0- 91- 7994- 964- 974
  • چاپ تهران / نوبت دوم
  • 1428 ه. ق‏
  • 1